بقلم دكتور محمد أبو الفتوح غنيم
المعروف أن عملية إعادة التركيب Anastylosis أو إعادة البناء Reconstruction، في حقل ترميم الآثار أمر مقبول ومطلوب في حالات خاصة، ووقد يدخل ضمنها المشروع المقترح من قبل السيد الدكتور الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، وأعني به مشروع ” إعادة تركيب الكتل الجرانيتية، التي كانت تمثل الكساء الخارجي لهرم منكاورع”، وهي عملية نلجأ إليها للتمكن من فهم مادة الأثر، وتسجيلها، والاحتفاظ بها متماسكة تماما على المدى الطويل. وهو مفهوم يختلف عن التجديد أو الاستكمال، وتعتمد هذه العملية على إعادة تجميع أجزاء الأثر وتكوينه أو بنائه من جديد، بشكل كامل أو جزئي (استكمال ما فقد منه)، في محاولة لإعادة الشكل الأصلي له وتنمية الوعي به.
وتشكِّل إعادة البناء استراتيجية ملائمة بعد تعرض الأثر لكارثة من الكوارث، مثل: الزلازل، أو الحرائق، أو الفيضانات، أو التدمير الناتج عن الحرب والقصف الجوي، وملائمة كذلك عند نقل أحد المعالم الأثرية، أو جزء منه، إلى موقع جديد لحمايته من الأخطار البيئية. فقد نحتاج إلى إعادة بناء المبنى الأثري بأكمله في مكانه، وعلى حالته التي كان عليها، لا أن نعيد بناءاً جديداً ليحل محل المبنى القديم.
وتعتمد هذه العملية على الأدلة العلمية، والأثرية، والتاريخية، والرسوم البيانية، والتصويرية.
وبناء على كلام الدكتور مصطفى وزيري إنه سيقوم بالبحث عن أحجار التكسية الأصلية الموجودة في محيط الهرم أو المدفونة في الرمال بمساعدة التكنولوجيا اليابانية، ولكن هل من المضمون العثور على عدد من الاحجار يكفي لتكسية الهرم بالشكل المرغوب فيه ؟ كما أن الكتل الجرانيتيه، التي توجد في محيط الهرم من الجهة الغربية والشمالية، صحيح أن بعضها كان ناتج عن تساقط كتل من طبقة التكسية القديمة، إلا أن بعضها الآخر بقايا من محاولات مصرية قديمة لتكسية الهرم، ومازالت حالتها كما جلبها المصري القديم، غير مهذبة وتحتاج إلى تهذيب وتسوية؛ لتكون صالحة للتكسية، وكذلك تحتاج إلى استخدام نفس تقنية التكسية التي اتبعت قديماً، هذا إذا نجحنا في تهذيبها وتسويتها مثل غيرها من الكتل الأصلية التي استخدمت في التكسية. وجميعها أمور تمثل تحديات فعلية للمشروع المقترح وتثير العديد من التساؤلات والشكوك والقلق في نجاح المشروع.
فعلى الرغم من ضرورة اللجوء إلى إعادة البناء عند حدوث الكوارث كوسيلة لإحياء الأثر أو المبنى والموقع الأثري، إلّا أن سلامة إعادة البناء تصبح موضع شك كبير عندما يكون وسيلة لتحسين عرض الأثر أو الموقع الأثري، فإن الهدف من إعادة البناء هو إعادته إلى حالته التي كان عليها دون تحسين أو تجميل، ودون إضافة إليه أو زيادة عليه.
وكما يذكر ميثاق بورا 1981م “ولا يجب الخلط بين إعادة البناء للمباني والمواقع الأثرية المحددة بالضوابط والأدلة الأصلية، وبين إعادة البناء عن طريق التجديد Recreation أو التخمينConjecture “.
وإذا كان الوعي بالهرم الثالث مبني على شكله القائم والمتوارث منذ مئات، وربما آلاف السنين، وتشكّل في أذهان البشر، من شرق العالم إلى غربه ومن جنوبه إلى شماله، وطوال تاريخه، على هذا الشكل الكائن عليه الآن، فلماذا نقوم نحن الآن بإعادة خلقه بصورة غير الصورة المتوارثة ذهنياً وتاريخياً عنه ؟ وهو تساؤل يحتاج إلى إجابة مقنعة تتضمن الهدف والغرض من هذا المشروع والعائد منه؟.
والحقيقة أن هناك الكثير والكثير من آثار مصر يحتاج إلى ترميم وتدخل عاجل للحفاظ عليها، وكم من مبان أثرية، ومواقع تراثية ومعابد أثرية، تحتاج إلى ترميم، أو صيانة، أو تهيئة، أو حفاظ، أو استثمار، أو توظيف، أو تسويق، هي أولى بأن نتوجه إليها بذلك الجهد، وعائدها سيكون مضموناً وكبيراً ومفيداً.
كما أن موقع الأهرامات موقع تراث عالمي، والتدخل فيه لا ينبغي أن يكون إلا للحفاظ عليه لا تغييره، فكم ستكون الكارثة لو كان هذا التدخل مما لا يمكن استرجاعه، أو كان تدخلاً غير ناجح لا قدر الله؟
وهناك مواثيق دولية تحكم عملية إعادة البناء، وتضع لها الضوابط والأسس العلمية والمحددات المنهجية والإجرائية، التي ينبغي الالتزام بها والتفكير فيها قبل البدء في عملية إعادة البناء أو التكسية هذه، من هذه الأسس ما يأتي:
• ما أقرَّه ميثاق فينسيا للترميم لعام 1964م، من ضرورة استبعاد جميع أعمال البناء باستثناء عمليات إعادة تجميع الأجزاء القائمة والمفككة، وأن أي أعمال تكميلية لا غنى عنها يجب أن تكون متفقه من حيث الشكل والتقنية أو التركيب المعماري، ويجب أن تظهر الطابع الحديث أو المعاصر. (تمييزاً لها عن الطابع الأثري حتى لا يدخل العمل تحت مظلة التزييف أو التزوير).
• ما أقرَّه ميثاق “بورا” من أن إعادة البناء مناسبة عندما يكون المبنى، أو الموقع الأثري، غير كامل التلف، وعندما يكون إعادة بنائه ضرورية لبقائه، أو ضرورية لاستعادة أهميته الثقافية. وتقتصر إعادة البناء على إكمال الجزء المنهار والذي يكون شكله معلوماً من خلال الدليل المادي و/أو التوثيقي، ويجب ألّا تشكِّل غالبية نسيج المبنى أو الموقع.
• ما أقرَّه ميثاق مبادئ “لاهور” لحفظ وترميم التراث المعماري الاسلامي، في المادة الثالثة عشر منه، والتي تؤكد على ضرورة الاستعاضة عن الأجزاء المفقودة بما يحل محلها ضماناً للاستقرار، أو توضيحاً لأسباب جمالية عندما تكون الصورة الأصلية قد وثقت توثيقاً حسناً، أو عندما يكون من الممكن استنتاجها من الأجزاء الباقية، على أن تتواءم الأجزاء البديلة مع الأثر مع تمييزها في الوقت نفسه عن الأصل بحيث لا يؤدي الترميم إلى تزييف الشواهد الفنية والتاريخية، وهو ما أشار إليه من قبل ميثاق فينسيا لعام 1964م.
• ضرورة استناد عملية إعادة البناء إلى توثيق أثري ومعماري دقيق، وإلى قرائن وأدلة، أي أن يسبق الترميم ويتبعه دراسة أثرية وتاريخية للأثر أو المعلم الأثري، وأن تتم هذه العمليات اعتماداً على دراسات عميقة ووثائق دقيقة لشكل المبنى، وطرازه، وتفاصيله. فلا يجوز إعادة بناء أو استكمال أجزاء مفقودة دون وجود نقاط إرشادية، أو الاستناد إلى سند علمي، أو وثائق ومصادر تاريخية، يمكن الاهتداء بها والاعتماد عليها في هذه العملية، فيجب التوقف عندما يبدأ التخمين.
• أن يكون استخدام مواد الدمج أو الاستكمال في أضيق الحدود. ويجب أن تتوافق وتتآلف مع المبنى الأثري، على أن تكون مميزة عن الأصل؛ حتى لا يكون ذلك تزييفاً للشواهد الفنية والتاريخية للأثر أو المبنى.
اللهم احفظ مصر، وتراثها وآثارها.
أقرأ التالي
2025-04-22
جاب مناخيره الأرض..موروث ثقافي مصري قديم
2025-04-21
سلام على كبير السن وسلام على من يراعي كبير السن
2025-04-20
سرية بن أبي حدرد الأسلمي إلى الغابة
2025-04-20
مابين الحفاظ على هرم الجيزة الأكبر وزيادة الموارد المالية
2025-04-19
الكشف عن نقش لإسم ملكي على جبال الاردن
2025-04-19
شتان بين حكام المسلمين بالأمس واليوم
2025-04-18
استجابة سريعة من الآثار لإصلاح سلم خشبي بمعبد حتشبسوت
2025-04-18
العثور على تماثيل للملك زوسر و اسرته في ضيافة مقبرة بسقارة
2025-04-18
“السيسي وملف الخارج… حنكة الزعيم وثقة الشعب”
2025-04-17
مشيرة موسى تكتب ” الصاحب اللى يتصاحب “
زر الذهاب إلى الأعلى