مشيرة موسى تكتب ” الملافظ سعد “
زمان عندما كنا صغار، كانوا يقولوا لنا ” فكروا قبل ما تتكلموا ” واحيانا كانوا يقولون ” دوروا الكلمة في مخكم ٧ مرات قبل ما تنطقوها ” يعني الكلمة بتخرج مثل طلقة المدفع، الكلمة القاسية ممكن تجرح وممكن تذبح، لا يوجد مبرر ان كنت زعلان او غضبان، وإلا كيف نفرق بين الانسان والحيوان .
الغضب ممكن يتسبب في طلاق رجل لزوجته، وممكن يجعله يقول كلمة يندم عليها باقي عمره، هذا الكلام حقيقي ولا خلاف عليه.
اليوم اريد ان اتحدث عن نوع آخر من ” الملافظ “، ملافظ أصحاب مهنة الرحمة، ملافظ الاطباء في نهاية السبعينات أو اوائل الثمانينات، اجريت لقاء مع طبيبة المانية في مصر، جاءت في ضيافة ” جمعيةكاريتاس ” لتعليم شباب الأطباء كيفية إبلاغ الأهل ان الله رزقهم بطفل سيحتاج لرعاية خاصة طوال حياته التي قد تطول أو تقصر، حسب نوع الحالة، الحقيقة انبهرت بطريقتها في اختيار الكلمات، ومهارتها في احتواء الأهل واسلوب رعايتهم نفسيا.
في الأسبوع الماضي حضرت واحدة من أهم المحاضرات للتوعية بمخاطر وأسباب الإصابة بسرطان الثدي، الطبيب جراح ماهر، مشهور ومعروف، ولكن من بين ما قاله ” انا كنت اتعجب من اعتزاز السيدة بثديها وعدم قبولها فكرة استئصال ثديها علي الرغم من عدم حاجتها للثدي بعد سن الأربعين، اي بعد انتهاء مرحلة ارضاع الأطفال، وعلي الرغم من انتهاء فكرة استئصال الثدي للأبد، والاكتفاء حاليا باستئصال الفصوص المصابة بالسرطان داخل الثدي، فإن مجرد تساؤل الطبيب اغضبني، فكثير من السيدات يعتبرن الثدي رمز الأنوثة، وسمعت عن أزواج طلقوا زوجاتهم عقب إجراء عملية استئصال الثدي، ودار في ذهني سؤال تراجعت عن سؤاله، وكيف سيقبل الرجل فكرة استئصال رمز رجولته.
وتذكرت فجأة زيارتي لأحد الأطباء في مثل هذا الوقت من ثلاثة أعوام، بعد اصابتي بحالات إغماء وأعراض اخري، فبعد التردد علي عدة تخصصات ( أنف وأذن – باطني – قلب )، وإجراء عدة فحوصات تم الاتفاق علي ضرورة اخذ رأي طبيب المخ والأعصاب، ذهبت وحدي، الطبيب الشاب سأل بعض الأسئلة ونظر في صور الأشعة، ورفع رأسه قائلا ” انت عندك ورم في المخ ” قالها وكأنه يقول ” لقد فزت برحلة الي باريس “، لم انطق بكلمة و جمعت أوراقي ووقفت، أضاف بعد ثوان ” الورم حميد ” بس لازم نعمل كذا وكذا وكذا، تمتمت ” شكرا “، هذا الطبيب لاحظ انني وحدي، عرف انني قادمة من زايد الي مصر الجديدة، شاهدني مصدومة، لم يسألني اذا كان معي سائق، أو إذا كنت ساقود سيارتي.
الحمد لله علي كل شئ، ولكنني تسألت، هل يصاب الطبيب بالبرود نتيجة متابعة الحالات المرضية، ولماذا نستريح للكلام المطمئن للأطباء من كبار السن، ولماذا يفتقد بعض شباب الاطباء ” الإنسانية ” في تعاملهم مع المرضي، وتذكرت ان ” الملافظ سعد”، وان هذه نعمة اختص بها الله بعض عباده فقط.