الخِواء #النفسي (قرعٌ على دفوف الحيرة)
الدكتور / حسام القاضي.
ارشاد نفسي وتربوي.
هؤلاء الذين تتحكم فيهم ألوان الحيرة مضحكون، يظنون أنهم وحدهم الحائرون، وما علمو أن الحيرة مستقرة في أغلب القلوب، نحاول أن نهدأ من روعها، ونضبط من اختلاجاتها، لكنها تفور كالفوار، تقلق كل ما في الجسد، تطرق الأفكار بلئمها، وتزهق الخواطر بشئمها، وتربط الأقدام بأغلالها، وتفسد الحسابات بنتنها ( إنها الحيرة مقتل الحيارى ) !!.
مُحزنون من تتملكهم الحيرة، يجعلون من أنفسهم مثارا للشفقة، يتراكضون وراء الحلول وهي بِدواخلهم مستقرة، يعرضون ضعفهم وخورهم بين أيادي الآخرين، وما علمو أن الآخرين تدكهم الحيرة كالعواصف، يدارونها وراء مكرهم حتى لا يضعفون، وحتى يتلذذون بضعف الآخرين لأنهم الأقوياء ( هكذا يظهرون أمام الآخرين ).
تعاملت كثيرا مع هذه الحالات، كان يُحزنني حالهم أكثر من وصفهم لأحوالهم، تسبقهم دموع مخاوفهم قبل أن تسيل دُموع عُيونهم، يبحثون فقط عمن يهدأ من أحوالهم، ويخفف من آلامهم، يطمحون أن أسحب منهم أوجاعهم، كما الاسفنجة تسحب الماء من الوعاء، لا تهمهم اعتباراتهم الذاتية، ولا قيمتهم النفسية، ولا حتى الاجتماعية، محزنون ويحزنون، تعجب منهم وكأنك من الآحزان فراغ، أيها الحاااااائرين كلنا بشر وفي الهموم سواء، لكننا نتعالى على همومنا حتى لا تضعفنا، نحاول أن نتناسى آهاتنا حتى لا ترهقتا، نحرص على إخفاء دموعنا حتى لا تفضحنا، نشد من عزم أوتادنا حتى لا تنهار.
(الخواء النفسي) مقتل وأي مقتل، من خلاله تنهار أواصر الاحترام في العلاقات الأسرية، لأن الحائر يدور في رحى الفراغ، يُفسد على من حوله بحاله، ولا يعزم معهم على أمر، ومن خلاله يعترف الضعفاء بضعفهم كذنب عظيم لا يغتفر، ومن خلاله أيضا يظن الضعفاء أن غيرهم أقوياء فيخارون أمامهم كأنهم الذُباب !!.
سأسأل سؤال : هل سمعتم بطيب الأسنان الذي يتعالج من أوجاع أسنانه عند طبيب مثله، مع أنه طبيب أسنان يعالج مرضاه لكنه سيجلس يوما ما على نفس الكرسي لما يصيب الوجع أسنانه، مع أنه يعلم علته لكنه لا يستطيع اصلاحها، ويعلم مقدار الألم لكنه لن يصرخ منه، لماذا ؟ باختصار لأنه يرفض أن يظهر بنفس مظهر من يتألم أمام الآخرين.
( أيُنا بلا خطيئة ) نعم أينا بلا حيرة، أينا بلا خوف، أينا بلا تردد، أينا بلا وجع، أينا لم يضيع فرصة أو فرص، أينا لم يندم على صنيع ولم يبكي على حدث، أينا كامل ولله الكمال، أينا غير خاضع لظروف قد تجبره على تقديم تنازلات ؟؟.
وكما يقولون لما يعض إثنان أصبعي بعضهما بعضا، كل قد وضع اصبع الآخر في فمه وكز عليه بأسنانه، كلاهما متألم وموجوع، لكن المنهزم من يصرخ أولا، والحياة صولات يوم لك، ويوم آخر لك، ويوم بعده لك ( هذا طبعا إن أردت أن تكون كل الأيام لك )، وما يدريك علها كلها كانت لك، لكنك من تصورت أن لا يوم منها لك !!.
أيها الحااااااائر :
أُطرق الكأسَ ولا يرهبنك صوته
فإن صوته جمال لأذنك أخاااذ
زَمجر بحسك لا تُظهرن له بحة
كالأسد يزأر بصوت تهابه الأفلاذ
ولا ترهبنك الأحداثُ بخطبها
فالخطب عابر وأنت المقداد
ولئن تجرعت كأسا من أسىّ
فغيرك له ذائق يوما ومنقادُ
الخِواء النفسي
( قرع على دفوف التردد ).