مقالات

إستوصوا بالنساء خيرا

بقلم الدكتورة أمينة حسن توفيق
قال ﷺ: استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فاستوصوا بالنساء خيراً
هذا أمر للأزواج والآباء والإخوة وغيرهم أن يستوصوا بالنساء خيرًا، وأن يحسنوا إليهن وألا يظلموهن وأن يعطوهن حقوقهن ويوجهوهن إلى الخير، وهذا هو الواجب على الجميع لقوله عليه الصلاة والسلام: استوصوا بالنساء خيرً
وفي قول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) النساء/34
فيه إثبات قوامة الرجل على المرأة، وولايته على تأديبها إذا خاف نشوزها.
وقد ذكر الله تعالى لهذه القوامة سببين، أحدهما هبة من الله تعالى، وهو تفضيل الله الرجال على النساء، والآخر يناله الرجل بكسبه، وهو إنفاقه المال على زوجته.
قال تعالى: ( بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ).
وذكر سبحانه في موضع آخر هذه القوامة فقال: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره وقوله : (وللرجال عليهن درجة) أي في الفضيلة في الخَلق والخُلق ، والمنزلة وطاعة الأمر ، والإنفاق والقيام بالمصالح ، والفضل في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )” انتهى.
وقال يقول تعالى : (الرجال قوامون على النساء) أي الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها ، والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت (بما فضل الله بعضهم على بعض)، أي لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك المُلك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، وكذا منصب القضاء وغير ذلك .
(وبما أنفقوا من أموالهم) أي من المهور والنفقات والكُلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيّما عليها، كما قال الله تعالى: (وللرجال عليهن درجة) الآية، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (الرجال قوامون على النساء) يعني أمراء، عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله”
وعلل ذلك بأمرين، وهبي وكسبي فقال: (بما فضل الله بعضهم على بعض) بسبب تفضيله تعالى الرجال على النساء ، بكمال العقل وحسن التدبير، ومزيد القوة في الأعمال والطاعات، ولذلك خُصوا بالنبوة والإمامة والولاية وإقامة الشعائر والشهادة في مجامع القضايا، ووجوب الجهاد والجمعة ونحوها، وزيادة السهم في الميراث، وبأن الطلاق بيده.
(وبما أنفقوا من أموالهم) في نكاحهن كالمهر والنفقة” انتهى بتصرف يسير.
وقال الزحيلي: ” الرّجل قيّم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها ، والحاكم عليها ، ومؤدبها إذا اعوجّت، وهو القائم عليها بالحماية والرعاية، فعليه الجهاد دونها، وله من الميراث ضعف نصيبها، لأنه هو المكلّف بالنّفقة عليها.
وسبب القوامة أمران:
الأول- وجود مقوّمات جسدية خلقية: وهو أنه كامل الخلقة، قوي الإدراك، قوي العقل، معتدل العاطفة، سليم البنية، فكان الرجل مفضلا على المرأة في العقل والرأي والعزم والقوة، لذا خصّ الرّجال بالرّسالة والنّبوة والإمامة الكبرى والقضاء ، وإقامة الشعائر كالأذان والإقامة والخطبة والجمعة والجهاد، وجعل الطلاق بيدهم، وأباح لهم تعدد الزوجات، وخصهم بالشهادة في الجنايات والحدود، وزيادة النصيب في الميراث، والتعصيب.
الثاني- وجوب الإنفاق على الزوجة والقريبة، وإلزامه بالمهر على أنه رمز لتكريم المرأة.
وفيما عدا ذلك يتساوى الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، وهذا من محاسن الإسلام
‏قوامة الرجل في الزواج تحتّم عليه أن ينأى عن مراهقته أمام طفولة زوجته، فلا يناصبها العناد في أوقات الكدر، ولا يشقّ عليها في ساعات النكد، وإنما يأخذها من ضيق نفسها إلى سعة صدره، ومن شقاء بالها إلى هناء عطفه، ويعرف أنّ من واجباته كرجل أن يكون الأكثر تحملا، والأطول ثباتًا.
ولا يقارن همومه وهموم زوجته في ميزانٍ واحد، لأن ثقبًا في جوربها قد يكون له في نفسها أكبر مما في نفسه من مشكلة كبيرة وحقيقية، ولأن كفةً من زجاج ليست ككفةٍ من عاج.
‏والمرأة متى خرجت من كدرها إلى حنان زوجها، عوضته عن ساعات الغم جمالًا ودلالًا، وأغدقت عليه من رقّتها ما يسترقّ قلبه، ومن نقائها ما ينقي صدره مما قد يكون علق فيه من همٍّ بسبب همها، فيقول كل منهما في نفسه مع أول لحظةٍ في الود والحميمية: والله ما عرفت مع صاحبي ضيقًا قط.
ولا تعني القوامةُ رعاية الرجل لأهله كما يرعى الرجل غنمَه، وإنما رعاية الفنان بالقوارير، ورحم الله رسوله الذي خطب في المسلمين خطبته الأخيرة، ووقف بينهم وقفته الأخيرة، فبدأ فقرته عن النساء: “إن لنسائكم عليكم حقًا ولكم عليهن حق”، وختمها: “فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرًا”.
‏وجعل وصيته بالنساء بعد تحذيره للمسلمين من الشيطان والكفر، وجعلها قبل تحذيره من حرمة الدم.
وجعلها في الميراث أعلى درجةً من الرجل في مواضع أكثر مما علاها فيها الرجل، ولم يُقسم للرجل أكثر منها إلا في مواضع سينفق فيها المال عليها، فهو مأمورٌ بأن يحسن رعاية أخوَاته.
وعليهِ فأن المرأة حين تأخذ دينارا والرجل يأخذ دينارين، فلأن المرأة نصيبها الكامل لها وحدها، ولأن الرجل مأمورٌ أن يسد حاجة المرأة التي تحت رعايته ولو بنصيبه كله، دون أن يقرب مال المرأة شيئًا. أهذا تكريم لها أم تمييز عنها؟ لعلكم تفكرون.
وإن هذا الدين لم يترك موضع فتنةٍ للمرأة إلا وحذر منها، ولم يترك بابًا لإهانتها إلا سده برفعتها، ولم يدع مشقةً إلا خففها عنها، ولم يدع راحةُ إلا أتاها إياها، وحين فرض عليها ما يصعب عليها فلأن أمَةٌ لله مثابةٌ على صبرها.. اتقوا الله في النساء.. وتقربوا إليه بالإحسان إليهن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى