مقالات

أصحاب الوجوه المتعددة

د. صالح العطوان الحيالي

لا شك أن بعض الناس المتلونين لن يحبوك مهما حاولت معهم , حتى وان أظهروا لك محبة ومودة في الظاهر والعلن أما في السر والخفاء فقلوبهم تتقاطر دما وغيظا وحقدا . فالانسان المتلون أو المتقلب أو كما يقال ” أبو سبعة أوجه ” لا يمكن أن تستقر تصرفاته على حال . فهو في داخله انسان عدواني وشرير محتال , ففي الظاهر يأتيك بلسان القديس الاوحد المتمسك بتعاليم الله , وبالخفاء يأتيك بقلب الانسان الشرير المحتال الذي لايحب في الدنيا غير المال . فهذا الانسان المتلون هو الذي يبحث عن الشر ومستعد أن يدفع الأموال الطائلة من أجل أن يشتري هذا الشر . ونحن نعلم أن الانسان من طبعه وفطرته حب الخير . ولكن الانسان المتلون الشرير هو من يبحث عن العكس . لذلك فقد تقرر منذ القدم بالحكمة البالغة والباحثة عن الانسان والخصائص التي فيه أن أحواله مختلفة . أعني أن كل مايدور عليه ومايحور إليه مقابل بالضد أو شبيه بالضد , كالحسن والقبيح , والصواب والخطأ , والخير والشر , والرجاء والخوف , والعدل والجور , والشجاعة والجبن , والسخاء والبخل , والحلم والسفاهة , والوقار والطيش , والعلم والجهل , والمعرفة والنكرة , والعقل والحماقة , والذكاء والغباء , والغبطة والحسد , والحق والباطل , والرشد والغي , والثقة والشك , والوقار والخلاعة , والتوقي والتهور , والألفة والكره , والصدق والكذب , والاخلاص والنفاق , والاحسان والإساءة , والنصح والغش , والمدح والذم , وقس على ذلك غيرها من الخصائص الاخرى . والانسان البصير العاقل هو الذي يقوم باتباع محمودها واجتناب مذمومها . أما الانسان المتلون المتقلب نراه يأخذ الكلمة الثانية من كل عبارة من الصفات السابقة فتجتمع فيه كل عوامل الشر . فهو لا يستريح ولا يستطيع العيش إلا بوجود الشر . فما أن تنتهي مشكلة إلا ويقوم بالبحث عن أختها ليشعلها من جديد , هكذا ديدنه وطبعه . ولذلك فإن التعامل مع هذه النوعية من البشر صعب للغاية إن لم يكن مستحيلا , لأنه كما قال الشاعر :

يعطيك من طرف اللسان حلاوة …….. ويروغ عنك كما يروغ الثعلب

ومن هنا يجب على الانسان أخذ الحيطة والحذر عند التعامل مع هؤلاء المتلونون . فلا يجب أن تبيح لهم بسر , ولا أن تناقش معهم موضوعات عامة أو خاصة يستفيد منها ويستغلها فيقلبها عليك . لأنهم أناس لا ضمير لهم , والانسانية منزوعة من قلوبهم فلا رحمة في صدورهم . فهم يتلذذون بشقاء الآخرين , فتراهم يضحكون في موطن البكاء ويبكون في موطن الفرح . ومن هنا أعود وأكرر القول بأخذ الحيطة والحذر والانتباه عند التعامل مع هؤلاء المتلونون . والأفضل أن تقلص العلاقة معهم إلى أدنى حد ممكن أو تنهيها , إلا إذا كان هناك مصلحة تتطلبها الظروف , إما لحثه على فعل الخير أو لردعه عن فعل الشر .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى