بقلم/ بهجت عيد
تُعد قصة معن بن زائدة رمزاً للحلم والكرم، حيث تُظهر كيف يمكن للسمات الإنسانية النبيلة أن تميز الشخص وتجعله نموذجاً يُحتذى به في المجتمع.
عرف عن معن بن زائدة، القائد العربي الشهير، أنه من أوسع الناس حلماً وصفحاً وعفواً عن زلات الناس.
عندما ولّاه الخليفة أبو جعفر المنصور على اليمن، تذاكر جماعة من الناس أخبار معن بن زائدة وحلمه وكرمه، وبالغوا في ذلك.
كان من بينهم أعرابي أخذ على نفسه أن يُغضبه. أنكروا عليه ذلك وقالوا له: “لن تستطيع أن تغضبه أو تتضجره”، ووعدوه بعشرة من البعير إن أغضب معن بن زائدة واستطاع فعل ذلك.
عمد الأعرابي إلى بعير فسلخه وارتدى جلده، وجعل ظاهره باطن وباطنه ظاهر، ودخل على معن بن زائدة ولم يسلم.
لم يُعره معن بن زائدة انتباهه، فأنشأ الرجل يقول:
أتذكرُ إذ لحِافك جلدُ شاةٍ
وإذ نعلاك من جلدٍ البعير
فقال معن: “أذكره ولا أنساه، والحمد لله”.
تابع الأعرابي قائلاً:
فسبحان الذي أعطاك مُلكاً
وعلّمك الجلوس على السريرِ
فقال معن: “سبحانه، إن الله تعالى يعز من يشاء ويذل من يشاء”.
رد الأعرابي:
فلستُ مُسَلِّماً ما عشتُ دهراً
على معنٍ بتسليم الأميرِ
فقال معن: “السلام سنة يا أخا العرب. إن سلمت رددنا عليك السلام، وإن امتنعت فلا ضير عليك”.
ثم قال الأعرابي:
سأرحل عن بلادٍ أنت فيها
ولو جار الزمانُ على الفقيرِ
فقال معن: “إن جاورتنا وأقمت فينا فمرحباً بالإقامة وعلى الرحب والسعة، وإن جاوزتنا ورحلت عنا فمصحوباً بالسلامة”.
استمر الأعرابي في تحدي معن قائلاً:
فجُد لي يا ابن ناقصةٍ بمالٍ
فإني قد عزمت على المسيرِ
فقال معن: “أعطوه ألف دينار تُخفف عنه مشاق الأسفار”.
أخذ الأعرابي المال، لكنه قال:
قلــيلٌ ما أتيت به وإنّــــي
لأطمعُ منك في المال الكثيرِ
فأضاف الأعرابي:
فثنّ قد آتاك الملك عفواً
بلا رأي ولا عقلٍ مُنيــــرِ
رد معن قائلاً: “أعطوه ألفاً ثانية ليكون عنّا راضياً”.
تقدم الأعرابي إلى معن، وقال:
سألت الله أن يُبقيك دهــــراً
فما لك في البرية من نظيرِ
فمنك الجود والإفضال حقاً
وفيض يديك كالبحر الغزيــــرِ
فقال معن: “أعطيناه لهجونا ألفين، أعطوه لمديحنا أربعة”.
اختتم الأعرابي قائلاً: “بأبي أيها الأمير ونفسي، فأنت نسيج وحدك في الحلم، ونادرة دهرك في الجود، وما بعثني على ما فعلت إلا عشرة من البعير جُعلت لي لو استطعت وقدرت على إغضابك وراهنت جماعة من الناس على ذلك”.
أجاب الأمير: “لا تثريب عليك”، ثم أوصى وأمر له بعشرين بعير، عشرة للرهان وعشرة له.
ختام: انصرف الأعرابي داعياً له، ذاكراً هباته، معجباً بحلمه وكرمه وسعة صدره..