مقالات

الدعم النقدي في ميزان الإقتصاد: فرص للنمو أم مخاطر للتضخم؟

كتب: خالد عبدالحميد مصطفى
 
الدعم الحكومي هو إحدى الأدوات الإقتصادية التي تلجأ إليها الدول لتوفير إحتياجات أساسية أو حماية بعض الفئات الإجتماعية. وقد تزايدت أهمية هذا الدعم مع تزايد تحديات الإقتصاد العالمي.
 
ينقسم الدعم بشكل عام إلى نوعين: الدعم النقدي، حيث يتم تحويل الأموال مباشرةً إلى الأفراد أو الأسر، والدعم العيني، الذي يُقدم من خلال السلع والخدمات المباشرة مثل الغذاء والوقود. ويثير التحول إلى الدعم النقدي، بدلاً من العيني، جدلاً حول تأثيره على النمو الإقتصادي من جهة، ومخاطر التضخم من جهة أخرى.
 
إيجابيات الدعم النقدي”
 
أولاً: تعزيز الكفاءة الإقتصادية” يمكن للدعم النقدي تحسين كفاءة التوزيع، حيث يُعطي للأسر حرية أكبر في إستخدام المال وفقاً لإحتياجاتهم الخاصة. على عكس الدعم العيني الذي يمكن أن يؤدي إلى عدم إستفادة المواطنين من السلع أو الخدمات المقدمة، مثلًا، قد تُعطى الأسر حصة من المواد الغذائية التي قد لا تحتاجها.
 
ثانياً: الحد من الفساد والتسرب المالي” من خلال الدعم النقدي المباشر، يُمكن للحكومات تقليل فرص الفساد في توزيع السلع المدعومة، حيث تتقلص الحاجة لتدخل الوسطاء الذين قد يستفيدون من عمليات التوزيع أو يرفعون الأسعار.
 
ثالثاً: تحفيز الطلب المحلي” يمكن أن يؤدي الدعم النقدي إلى تحفيز الإستهلاك المحلي، مما يعزز النمو الإقتصادي خاصة في القطاعات الإنتاجية التي توفر السلع والخدمات الأساسية.
 
رابعاً: التوجيه المرن للدعم” يسمح الدعم النقدي للحكومة بتعديل قيمة الدعم حسب الحاجة الإقتصادية أو أسعار السوق، مما يسهل عملية التحكم في نفقات الدولة بشكل أكثر دقة وفعالية.
 
سلبيات الدعم النقدي”
 
أولاً: مخاطر التضخم” قد يؤدي ضخ كميات كبيرة من النقود في السوق إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات، مما يرفع الأسعار ويؤدي إلى التضخم. وقد يُصبح هذا التأثير أكثر حدة في حال عدم وجود إنتاج محلي كافٍ يلبي الطلب المتزايد.
 
ثانياً: التأثير على العملة الوطنية” قد يؤدي الدعم النقدي إلى إرتفاع الإنفاق بشكل مُفرط وزيادة العجز التجاري، ما يمكن أن يؤثر سلباً على قيمة العملة المحلية، وبالتالي يرفع تكاليف الإستيراد ويُضعف الإقتصاد.
 
ثالثاً: تغير نمط الإستهلاك” يمكن للدعم النقدي أن يُغير من أولويات الأسر ويؤدي إلى إنفاق المساعدات النقدية على سلع غير ضرورية، مما يُفقد الدعم الغاية الأساسية المتمثلة في تلبية الإحتياجات الضرورية.
 
رابعاً: الإقصاء من الدعم” التوزيع النقدي قد لا يصل بسهولة إلى بعض الفئات المستحقة، خصوصاً في المناطق النائية أو الفئات غير المسجلة في سجلات الدعم، مما يمكن أن يترك شرائح واسعة من المواطنين دون دعم مناسب.
 
إيجابيات وسلبيات الدعم العيني”
أولاً: إيجابيات الدعم العيني
 
ضمان توفير الإحتياجات الأساسية” يضمن الدعم العيني توفير سلع أساسية مثل الغذاء والطاقة للأسر بشكل مباشر، مما يحقق الأمان الغذائي ويمنع إنقطاع الإمدادات.
 
السيطرة على الأسعار” يساهم الدعم العيني في تخفيض تكلفة السلع الأساسية للفئات المستهدفة، مما يمنح الإستقرار للأسعار ويحد من التضخم في السلع الأساسية.
 
ثانياً: سلبيات الدعم العيني”
 
الكفاءة الإدارية والتوزيعية” يعتمد الدعم العيني على سلسلة توزيع طويلة قد تُعرض العملية للفساد وتزيد التكاليف، خاصةً في نقل السلع وتخزينها.
 
التأثير على تفضيلات المستهلكين” قد يُقيد الدعم العيني خيارات الأفراد ويجبرهم على شراء سلع معينة، مما يُفقدهم الحرية في إختيار ما يناسبهم.
 
تجارب الدول في الدعم النقدي والعيني”
 
هناك دول إعتمدت نموذج الدعم النقدي وأخرى إستمرت في نموذج الدعم العيني، بينما إختارت بعض الدول دمج النموذجين معاً لتحقيق التوازن.
 
أولاً: الدول التي تتبع نظام الدعم النقدي”
 
البرازيل: من خلال برنامج “بولسا فاميليا”، حيث يحصل الأسر المحتاجة على دعم مالي مباشر لمساعدتهم في مواجهة الفقر.
الهند: تطبق برنامج الدعم النقدي المباشر للأسر من خلال تحويل مبالغ مالية إلى حساباتهم البنكية كبديل عن الدعم العيني، بهدف تقليل التكاليف وتوجيه الدعم للأسر المستحقة بفاعلية.
 
ثانياً: الدول التي تتبع نظام الدعم العيني”
 
مصر: من خلال برامج البطاقة التموينية التي توفر المواد الغذائية الأساسية بأسعار مخفضة، وكذلك دعم الطاقة والوقود.
الأردن: يقدم دعماً عينياً على منتجات الطاقة، مما يساعد في إستقرار أسعار الوقود للمواطنين.
 
ثالثاً: الدول التي تجمع بين النظامين”
 
السعودية: توفر السعودية دعماً نقدياً مباشراً من خلال برامج مثل “حساب المواطن”، إلى جانب دعم عيني في بعض القطاعات مثل التعليم والصحة والطاقة، مما يُتيح للدولة تحقيق التوازن بين كفاءة الدعم النقدي وضمان توفير السلع الأساسية للمواطنين.
 
الإمارات العربية المتحدة: تتبع الإمارات أسلوب الدعم النقدي من خلال مبادرات “برنامج الدعم المالي للأسر”، إلى جانب تقديم الدعم العيني في التعليم والسكن والخدمات الصحية.
 
ختاماً” يمكن القول بأن إختيار نوع الدعم يعتمد على توازنات إقتصادية دقيقة وأهداف إجتماعية محددة لكل دولة. فالدعم النقدي يمنح المستهلكين مرونة وكفاءة، لكنه يحمل مخاطر التضخم وفقدان السيطرة على الأسعار. أما الدعم العيني، فيوفر الإستقرار ويضمن تلبية الإحتياجات الأساسية، لكنه قد يكون عبئاً إدارياً ومالياً على الدولة.
فعلى الحكومات أن تُوازن بين الآثار الإقتصادية والإجتماعية لكل نوع، وتُحدد خياراتها بناءاً على الأوضاع المحلية، مع الإستفادة من تجارب الدول الأخرى لتحقيق أقصى إستفادة من الدعم وتحقيق أهداف التنمية الإقتصادية المستدامة.
 
 
 
 
 
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى