مقالات

التسول الإلكتروني: تجارة الوهم في زمن التعاطف الرقمي

بقلم / كريمه الرفاعي
في عالمنا الرقمي المتسارع، حيث تتداخل التكنولوجيا مع جوانب حياتنا اليومية، ظهرت ظاهرة جديدة تكتسح شاشاتنا وتخترق قلوبنا وعقولنا: التسول الإلكتروني. إنها ظاهرة تتنكر في ثوب إنساني، تستخدم القصص المؤثرة لاستدرار العطف، لكنها تثير شكوكًا عميقة حول صدقها وأهدافها.

تخيل هذا الموقف: أثناء تصفحك لوسائل التواصل الاجتماعي، يصادفك منشور مؤثر يتضمن صورة حزينة وقصة مأساوية لشخص يحتاج لعملية جراحية عاجلة أو أسرة تكافح الفقر المدقع، فتدفعك مشاعرك إلى التفاعل والمساعدة، لكن سرعان ما تدور في ذهنك أسئلة: هل هذه القصة حقيقية؟ أم أن هناك خدعة مخفية وراء الكلمات والصور؟

التسول الإلكتروني هو الوجه الرقمي الجديد للتسول التقليدي، لكنه أكثر تطورًا، وأكثر إغراءً، وأحيانًا أكثر خداعًا ،حيث يعتمد القائمون عليه على قصص مكتوبة بعناية فائقة لاستفزاز مشاعر الجمهور، مستغلين قوة الصورة والكلمة، بل وربما بعض الدموع المصطنعة في مقاطع الفيديو ، ما يجعل هذه الظاهرة تنتشر بوتيرة متسارعة هو سهولة الوصول إلى الجمهور، فبضغطة زر، يمكن لأي شخص أن ينشر قصة مؤثرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، متجاوزًا الحدود الجغرافية والاجتماعية، ولكن تكمن المفارقة في أن هذه السهولة تُضعف الرقابة وتفتح الباب على مصراعيه أمام المحتالين لاستغلال عاطفة الآخرين.

ورغم ذلك، لا يمكننا تجاهل أن بعض الأفراد يلجأون فعلاً إلى التسول الإلكتروني بدافع الحاجة الحقيقية، فالتحديات الاقتصادية وصعوبة الوصول إلى الدعم المالي من القنوات التقليدية قد تدفع البعض للبحث عن حلول رقمية، ولكن كيف يمكننا التمييز بين الحاجة الحقيقية والاحتيال؟

يُجمع الخبراء على أن التسول الإلكتروني يحمل في طياته مخاطر اجتماعية كبيرة، فانتشار القصص المزيفة يؤدي إلى فقدان الثقة في المساعدات الرقمية، مما يضر بالمحتاجين الفعليين، كما أن الاعتماد على هذه الوسائل يعزز ثقافة الاتكالية والاعتماد على الآخرين بدلاً من السعي لتحسين الوضع الاقتصادي بطرق مستقلة.

كيف نحمي أنفسنا؟
الحل يبدأ من الفرد، بالوعي والتحقق قبل التبرع، فليس كل منشور يحتوي على قصة مؤثرة يعكس الواقع. ويجب على المتبرعين توجيه دعمهم من خلال مؤسسات خيرية موثوقة يمكنها التحقق من مصداقية الحالات وضمان وصول المساعدة إلى مستحقيها.

وفي النهاية، يظل السؤال مفتوحًا: هل نحن أمام ظاهرة اجتماعية تتطلب حلولًا حاسمة، أم أن التسول الإلكتروني هو مجرد انعكاس لتغيرات العصر الرقمي؟ بين الحاجة الحقيقية والاستغلال، يبقى التسول الإلكتروني مرآة تعكس قوة التكنولوجيا، لكنه في نفس الوقت يذكرنا بضرورة اليقظة، فنحن نعيش في عصر أصبحت فيه العواطف عملة رقمية تُستغل بسهولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى