مقالات

عدوى الانتحار: حين يصبح الألم صدى يتردد في المجتمع

بقلم / كريمة الرفاعي 

 

ظاهرة تزايد حالات الانتحار بعد وقوع حالة واحدة تُعد من الظواهر المعقدة التي تجمع بين الأبعاد النفسية والاجتماعية والإعلامية وهي تُعرف علميًا باسم العدوى الانتحارية أو “تأثير ويرثر ” (Werther Effect)نسبة إلى الرواية الألمانية التي تسببت في موجة من الانتحارات في القرن الثامن عشر، فعند وقوع حالة انتحار وانتشارها بشكل واسع خصوصًا عبر الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي فإنها تترك تأثيرًا نفسيًا عميقًا خاصة على الفئات التي تعاني من اضطرابات نفسية أو ضغوط اقتصادية واجتماعية ويصبح الانتحار في أذهانهم وكأنه وسيلة مقبولة للتعامل مع الأزمات النفسية التي يعيشونها.

والتغطية الإعلامية تلعب دورًا كبيرًا في هذه الظاهرة حيث إن نشر التفاصيل الدقيقة حول طريقة الانتحار وأسبابه يؤدي إلى تعزيز الفكرة لدى الأشخاص المعرضين للخطر ويمنحهم الجرأة على اتخاذ نفس القرار، وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا تُعد عاملًا مساعدًا في نشر الظاهرة بسبب سرعة تداول الأخبار والوصول إلى فئات واسعة من المجتمع مما يزيد من خطر تأثر الأفراد بما يرونه أو يسمعونه، الأزمات النفسية والاجتماعية التي يعاني منها الأفراد تضعهم في دائرة الخطر خصوصًا إذا كانوا يعانون من العزلة أو غياب الدعم النفسي. 

فظاهرة عدوي الانتحار تكشف عن وجود قصور في التعامل مع قضايا الصحة النفسية في المجتمعات حيث إن معظم المجتمعات تفتقر إلى برامج الدعم النفسي والتوعية المناسبة التي تحمي الأفراد من الوصول إلى هذه المرحلة. 

والحلول المطروحة لمعالجة هذه الظاهرة تبدأ من الإعلام الذي يجب أن يلتزم بمعايير أخلاقية في تغطية حوادث الانتحار بحيث يركز على تسليط الضوء على الحلول والدعم النفسي بدلًا من تقديم تفاصيل قد تؤدي إلى التقليد كما أن تعزيز الدعم النفسي داخل المجتمعات من خلال توفير مراكز دعم واستشارات نفسية يسهم في تقليل الضغط عن الأفراد المعرضين للخطر، بالإضافة دور الأسرة والمدارس والمجتمعات المحلية لا يقل أهمية حيث إن نشر ثقافة الحوار المفتوح والدعم يساعد في الوقاية من الأزمات النفسية التي قد تؤدي إلى الانتحار. 

فالانتحار ليس مجرد فعل فردي بل هو انعكاس لأزمات اجتماعية ونفسية تحتاج إلى مواجهة شاملة وتكاتف من جميع الجهات لتقليل تأثير هذه الظاهرة وحماية الأفراد من الوقوع في فخها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى