مقالات

ثاليدومايد: الدواء الذي حوّل أرحام الأمهات إلى مقابر مشوهة

بقلم: معين فضل محمد قاسم

 

يُعد دواء ثاليدومايد (Thalidomide) أحد أبرز الأمثلة التي تسلّط الضوء على أهمية الرقابة الدوائية والاختبارات السريرية الدقيقة، حيث تحوّل من علاج واعد إلى مأساة صحية تركت أثرًا عميقًا في تاريخ الطب، وأسهمت في تطوير أنظمة تنظيم الدواء حول العالم.

في أواخر الخمسينات من القرن العشرين، تم تطوير دواء ثاليدومايد من قبل شركة ألمانية تُدعى Chemie Grünenthal، وسُوّق في البداية كمهدئ خفيف وآمن، وكان يُوصف لتخفيف أعراض الغثيان الصباحي لدى النساء الحوامل، وكذلك لعلاج القلق واضطرابات النوم. في تلك الفترة، لم تكن هناك معايير رقابية صارمة كما هو الحال اليوم، ولم تُجر اختبارات كافية على استخدام الدواء أثناء الحمل.

بعد تداوله على نطاق واسع في أكثر من أربعين دولة، بدأت التقارير الطبية تشير إلى تزايد حالات ولادة أطفال بتشوّهات خلقية، شملت نقصًا حادًا في الأطراف وأضرارًا في الأعضاء الداخلية والسمع. وقد شاعت حالتان على وجه الخصوص: حالة Phocomelia، حيث تكون الأطراف قصيرة أو غير مكتملة، وغالبًا ما تظهر اليد أو القدم مباشرة ملتصقة بالجذع، وحالة Amelia، وهي غياب تام لأحد الأطراف منذ الولادة. وتُشير التقديرات إلى أن عدد الأطفال المتأثرين تجاوز 10,000 طفل حول العالم، معظمهم في أوروبا وأستراليا وكندا.

مع تصاعد الأدلة، تم سحب الدواء من الأسواق في أوائل الستينات، وشكّلت هذه الواقعة نقطة تحول بارزة في السياسات الصحية الدولية، حيث دفعت نحو وضع تشريعات أكثر صرامة لاختبار الأدوية قبل الموافقة على طرحها. وقد كان لهذه التجربة أثر بالغ في تعزيز دور الجهات التنظيمية مثل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA).

لاحقًا، أُعيد استخدام ثاليدومايد في التسعينات لعلاج بعض الأمراض المعقدة، منها الجذام وبعض أنواع السرطان، ولكن ذلك جرى ضمن ضوابط صارمة تمنع استخدامه نهائيًا من قِبل النساء الحوامل، وتحت إشراف طبي متخصص.

تظل قصة ثاليدومايد مثالًا تاريخيًا مهمًا يذكّرنا بأهمية التوازن بين الابتكار العلمي والسلامة العامة، ويؤكد أن تطوير الدواء لا يكتمل إلا عبر اختبارات دقيقة ومتابعة صارمة تضع صحة الإنسان في المقام الأول.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى