مقالات

لجنة للدراما بتوجيه رئاسي “80 باكو” والحياء

كتب : عصام فاروق

بعد مرور شهر رمضان المبارك، الضيف الذي يأتي ويغادر على عجل، وكأنه يشعر بالغربة رغم محاولة البعض المظهرية التشبث بالمساجد وأداء الفرائض والسنن، التي نسأل الله أن يتقبلها، بدأتُ في مشاهدة بعض الأعمال الدرامية لتقييمها من وجهة نظري بعد أن سمعتُ إطراءً من النقاد والمشاهدين عليها.
من هذه الأعمال المسلسل الاجتماعي “80 باكو” بطولة هدى المفتي وانتصار ومحمد لطفي ودينا سامي ورحمة أحمد وكوكبة من النجوم، تأليف غادة عبدالعال وإخراج كوثر يونس.
المسلسل يتحدث عن فئة من الشعب لا يمكن أن نغفل وجودها ودورها، اتفقنا معها أو اختلفنا، ولكنها موجودة ومنتشرة وتمارس دورها، وهي فئة مصففات الشعر وتنظيف الوجه والبشرة، وغيرها من الأعمال النسائية.
قامت المخرجة بإبراز حياة من يعملن بهذه المهنة بالاقتراب إلى حياتهن والتعمُّق فيها وفي ظروف كل واحدة منهن، بدءّا من صاحبة المحل (مدام لولا – انتصار) التي تتبنى العاملات عندها وكأنهن بناتها، وتميل إلى واحدة بشكل أقوى (بوسي – هدى المفتي) لنشاطها وإتقانها المهنة، كما قد يحدث بين الأم وبناتها في الواقع.
المشكلة البارزة في العمل تتمثل في إصرار المخرجة على إظهار الأدوات التي يستخدمنها في عملهن لتنظيف بشرة النساء، إغراقًا في الواقعية، ما أوقع المشاهدين في حرج شديد أمام أطفالهم الذين أخذهم الفضول فراحوا يسألون عن هذه الأشياء وكيف ولماذا تُصنع وفيم تُستخدم.
ومن وجهة نظري أن المؤلفة والمخرجة كان من الممكن أن تخرجا من هذا المأزق دون وضع المشاهد في هذه الأزمة، ولكنهما آثرتا الإغراق في الواقعية حتى في الأدوات المستخدمة التي تخدش الحياء ولا يصح أن تظهر على الشاشة بهذا الشكل الفج فضلًا عن ظهورها وهي تستخدمها، مثلها مثل مشاهد العري والجنس السريري، التي كان يصرّ عليها بعض المخرجين، ومشاهد العنف والبلطجة المنتشرة في بعض الأعمال حتى الآن، والراقصات وحياة الكابريهات، ومشاهد تناول الخمر التي يلجأ إليها كل من يقع في حزن أو ضيق أو اكتئاب، ومشاهد تناول المخدرات، والشم وكيفيته بكل دقة وتفصيل، وكأنهم يعلمون الشباب كيف يشم، كما جاء في مسلسل “نقطة سودة” التي أداها مازن جمال عبدالناصر (هيثم السيوفي).
إنها مشاهد تمثل بالفعل “نقطة سودة” في جبين صانعيها، فمجتمعنا المصري ليس بهذا السوء، وإن كان الآن كذلك فأنتم من صنعتم منه هذه الصورة السيئة بالدراما التي لا تتسلط إلا على السلبيات ووضع “لازمة” لكل بطل ليحفظها الأطفال التوَّاقون لأن يكونوا مثله ويرددونها، ما ملأ شوارعنا بألف صورة مشوهة من هذا البلطجي.
هناك صور مضيئة في حياتنا العلمية والعسكرية والاجتماعية والتاريخية تستحق إلقاء الضوء عليها ليتخذها شبابنا قدوة تنير حياتهم وتنهض ببلدنا وتجعلنا بحق في المكانة التي نستحقها، لذا أناشد شركات الإنتاج والمؤلفين والمخرجين البحث عما يبني لا عما يقتل ويضيّع مكانة أمة ويغرقها في الوحل.
على كاهل صانعي الدراما بأنواعها رسالة عظيمة، إما أن ينجحوا فيها فيعبروا بنا إلى سماء الوعي والعلم والتقدم، وإما أن يضيعوا ويضيِّعوا أجيالًا.. والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل، وفقنا الله جميعًا لخدمة مصرنا العزيزة.
في النهاية، لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر والتقدير للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسي لتوجيهه بسرعة تكوين لجنة لمراجعة الدراما ومحاولة تصحيح المسار لنرى أعمالًا مشرِّفة، تنقل صورة واقعية عن المجتمع المصري ومشكلاته وقضاياه، إدراكًا من سيادته أن الدراما مرآة للمجتمع، يجب أن تعكس الثقافة المصرية الحقيقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى