مقالات

صد رد

 

بقلم.. دكتور جراح.. محمد الصيفي

 

إن الإنسان الذى إعتاد العطاء وارتضاه لنفسه مذهبًا واتخذه فى الحياة سبيلا، ما كان ليرتد عن مذهبه أو ليتحول عن طريقه إلا لعظائم حلت به أو بمن حوله أقارب أم أباعد ممن شاركوه الرحم والدم أوالمسكن أوالوطن أو اشتركوا معه فى أقل القليل حتى وإن كانت تقاطعت بهم طرق الحياة فى شبرٍ أو ذراع.
فأى أمر عظيم يعبث بعقل طالما صدَق وصدَّق مذهبه واستيقن غايته واتخذ إليها كل سبيل مشروع! ما أنبل غايته وما أطيب سبيله وأعظم بمشروعيته.
لا بد من أسبابٍ عنده ومسببات لديهم.
فإن كلمة شكر وإن لم يكن لها هدفا ومسعى إلا أنها تظل دافعا لمزيد من عطاء وحافزا لوفير بذل ومسعدة لقلب أحب العطاء ورغب فى البذل. فإذا غابت كلمة الشكر أو تحولت إلى نقد غير موضوعي أو نكران جميل أو إعتبار الأمر يفعله الشخص عن حب وإقتناع— حق مستحق وواجب لا يمكن الرجوع عنه فإن العطاء عندها ينقلب أخذا وأنانية ويستحيل الإيثار.. ولا عجب فى ذلك فى أمر إنسان لم يبتغ سوى كلمة شكر إن طلبها-.
وكما أن أناسا جُبلوا على العطاء واحبوه.. فقد إكتظت الدنيا بغيرهم استمرأوا الأخذ واعتبروه مكسبا حلالا بلا أجر أو مقابل بل بالغوا فى محاولة الإستذكاء حتى أعدوه إنتصارا على مائدة التفاوض. ووضعوا المعطاء موضع الخاسر فما كان أيسر عليه أن يقلب الطاولة ويصبح المنتصر —بمفهومهم المغلوط وعلى منهجهم المستهجن.
كما أن الحياة تشبه إلى أبعد الحدود كرة المضرب أو كرة الطاولة لا ترتقى اللعبة ويعلو مستوى لاعب إلا بإرتقاء صاحبه على الجانب الآخر من اللعبة.
بل إن إنخفاض مستوى أحدهما يهبط بمستوى الآخر.
هى إذن منافسة جدية فى الإرتقاء أو فى الإنحطاط. فإذا ما ارتضيت اللعبة فاختر لنفسك شريكا يرتقى بك ومعك لأعلى المستويات وتبلغا معا قمة هرم العطاء.
وفى كرة المضرب.. فإن أحد اللاعبين أو كلايهما حتى وإن ارتقيا بمستوايهما حتى بلغا قمة اللعبة واستقرا فى مقدمة الترتيب إلا أن طاقة اللاعب لا بد نافذة ومجهوده لا بد ناضب مقفر.
ذلك أن الراحة فى أمر الإنسان أمر لا يستغنى عنه كالوقود لمحرك السيارة أو الهواء للطواحين.
فكن على يقين من أن شريكك فى اللعبة يحصل على قسطه من الراحة حتى لا تسكن طواحين الهواء أو تتوقف السيارة وسط الطريق مسببة الزحام والآلام.
وكما لا يمكن إغفال اللغة المشتركة كمبدأ للتواصل البشرى وفى العلاقات الأسرية بشكل خاص كذلك لا يمكن إهمال المفاهيم والرؤى لدى أطراف العلاقات المشتركة.. فالكلمات لدى البعض أهم من الأفعال وإن خالفتها.
فلا تتعجب أن تفضل إحداهن كلمة طيبة على وجبة عشاء أو وردة حمراء على مجموعة قصصية نادرة أو قصيدة غزل على مسكن مطل على النهر.
غير أن إهمال المال وإقتناعها بعدم جدواه يزول عند بريق الذهب وليذهب الإقتناع إلى سلال المهملات على أبواب صالات الموضة والمحلات.
وعلى الجانب الأخر قناعات أخرى لا تتبدل ولا تتبدد إلا أنها ثانويات عند الطرف الأول.. فما أهمية مباريات الكرة، وما المشكلة فى الإنتظار ساعة لإستكمال الإستعدادات للخروج، وما الأزمة فى رواية أحداث اليوم قبل خلع الحذاء على عتبة المنزل.
مفاهيم وأولويات ومبادئ ثابتة لدى الطرفين ولا سبيل لأحدهما إلى الراحة إلا بالتنازل أو التجاوز إلا أن الطاقة لا بد نافذة إن لم يكن لدى الطرف الأخر مرونة ورغبة فى إسعاد الآخر،سعادة بتذكرة إياب.
فإسعاده مردودإليه إسعادا مضاعفا أو إسعادا مؤنِسا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى