مقالات
وماذا عن كورونا
وماذا عن كورونا
بقلم يحي خليفه
قبل أن يجتاح وباء كورونا العالم، كان البشر يتعاملون مع موسم أمراض الشتاء بشكل طبيعي، لا إغلاق ولا تباعد ولا كمامات، ولا ذعر ينتاب الشخص إذا عطس بالقرب منه شخص آخر، أو انتابته نوبة من السعال المتواصل، الأمر بسيط، لأنها الإنفلونزا الموسمية اللعينة التي تحرق الصدر بسبب السعال وتزكم الأنف بسبب السيلان، غير أن أحداً منا لا يكترث كثيراً لنزلات البرد، فقد اعتدنا عليها كل الشتاء، واعتادت أجهزتنا المناعية عليها.
مع دخولنا العالم الثالث من وباء كورونا، وما تسبب به من ذعر بين الناس، وخسائر فى الأرواح، وانهيار فى الاقتصاد، يسيطر على معظم دول العالم المتحور الجديد «أوميكرون» الذى تتشابه أعراضه لحد التطابق مع أعراض «الإنفلونزا الموسمية»، حتى إنه يصعب التمييز بينهما فى كثيرٍ من الأحيان، إلا فى حالة إيجابية المسحة الخاصة بكورونا، ولأننا نعيش أجواء الشتاء وبرودة الطقس الشديدة نتيجة التغيرات المناخية، فقد بدأنا نلاحظ تصاعداً كبيراً فى أعداد المصابين بنزلات البرد أو الإنفلونزا الموسمية، وأغلب الظن أنها متحور أوميكرون، لكن المتغير الذى حدث أننا لم نعد نصاب بالذعر إذا ما سمعنا عن إصابة أحد بكورونا، مثلما كان الأمر فى بداية الجائحة، ربما لأننا استأنسنا المرض، وأصبح جزءاً من حياتنا بعد فقدان الأمل فى انتهائه قريباً، والحديث المتداول بأنه سيصبح مرضاً «متوطناً»، وهو ما أكده «أنتونى فاوتشى»، مدير المعهد الوطني للحساسية، وخبير الأمراض المعدية فى الولايات المتحدة الأمريكية، وعلماء آخرون فى بريطانيا وفرنسا وروسيا، وفى ظل تزايد الثقة بين الناس فى الفترة الأخيرة، بأن متحور أوميكرون قد يدفع إلى انتهاء الوباء.
لكن ماذا بعد الوباء؟ هل تكون هناك أنامل سحرية لإخفاء الفيروس؟ خاصة أن الكلمة الرنانة التى ينبغى علينا الاعتياد على سماعها هى «متوطن»، ما يشير إلى أن «كوفيد» باقٍ لا محالة.
فكل المؤشرات تؤكد أننا على أعتاب عهد جديد مع «كورونا» أو «كوفيد»، وكيف سيكون شكل حياتنا فى ضوء بقاء الفيروس كجزء منها؟ وما المتغير الذى استجد حتى نألف وجود المرض ونتعايش معه دون ذعر؟ فى بداية الوباء كانت مواجهة سرعة الانتشار تثير احتمالين: إما أن يتم القضاء على كوفيد، كما حدث مع الإيبولا فى غربى أفريقيا، أو أن تتراجع حدة الوباء مع بقائه معنا على المدى الطويل وانضمامه إلى مجموعة الأمراض المتوطنة، مثل نزلات البرد، وفيروس نقص المناعة المكتسبة، والحصبة، والملاريا، والسل، الموجودة دائماً، فكانت النتيجة أن الوباء انتشر كالنار فى الهشيم فى جميع أنحاء العالم، لكن النيران لا يمكن أن تستعر بالقوة عينها إلى الأبد. والذى تغير هو درجة مناعتنا فى مواجهة الفيروس.
ظهر فيروس كورونا لأول مرة منذ عامين فى ووهان بالصين، وكنا معرضين للخطر، إذ كان فيروساً جديداً تماماً لم تختبره أجهزتنا المناعية من قبل، ولم تكن لدينا أدوية أو لقاحات لتحصين أنفسنا منه، كما يقول البروفيسور «جوليان هيسكوكس»، رئيس قسم العدوى والصحة العالمية فى جامعة ليفربول، الذى يؤكد أننا على وشك الوصول إلى بداية نهاية الوباء.
ويعد المرض «متوطناً» فى نظر علماء الفيروسات، عندما تتسم مستويات الإصابة به بقدر من الثبات ما يسمح بالتنبؤ بمسارها المستقبلى، ورغم أن ذلك نقيض ما نشاهده من موجات «الارتفاع الحاد والتراجع الكبير» فى معدل انتشار وباء كوفيد حتى الآن، فإن وصف المرض بالمتوطّن لا يعنى بالضرورة أنه بسيط.
فهناك بعض الأمراض المتوطنة التى تقتل الكثيرين»، أما «كوفيد 19» فقد بدأنا نرى منذ الآن إشارات إلى أنه أصبح أقل فتكاً، فى حين أصبحت أجسامنا أكثر مقاومة له.
