مقالات
هكذا أنا
هكذا أنا
بقلم يحي خليفه
هكذا أنا شخص غريب، غريب عن هذا العالم وغريب عن من فيه، غريب عن نفسي حتى، عن كل ما حولي، غريب عن بيتي ، عن أشيائي ، عن أحلامي ، وربما غريب عن جسدي ، هكذا أنا طائر يرتفع إلى عنان السماء محلقا بأحلامه ، و فجاه يتغرب عنها ويسأل من أنا ، ما هي تلك الأحلام ، لما اخترتها، لماذا اختارتني ، يفقد هويته ، تضيع ذاكرته و يعود إلى غرفته ويفيق من كل ذلك على الحقائق ، هكذا أنا.
هكذا أنا حر طليق لا أقبل القيود، لا أعشقها مثل غيري، لا أرضى بها تحت أي عنوان ذليل، ولا استسيغها بمنطوق الحب الهذيل، هكذا أنا تحت أي مسميات كان القيد لا أرضاه ولا أقبل به عن الحرية بديل، أعشق الحرية، والانطلاق، وأخشى الانكسار والانهزام والخذلان، هكذا أنا، وهكذا أنا دائما أسعى وراء حلمي و أمسك بأطراف أصابعي فيما تبقى منه، ولا أفلته ، هكذا أنا دائما.
هكذا أنا مع الآلام والأحزان والهموم، مع الضحكات والمرح والترف، مع كل ذلك لا أتغير ولا أتبدل تذهب وتعود الأحداث، تتصارع أمواج حياتي ترفعني لأعلى وتقذف بي في الهاوية وأبقى أنا كما أنا، أتحدى الصمت، والحزن، والألم و أبقى كما أنا، أقذف في وجه الدنيا ببقايا ألآمي، أخفي عنها ما بي لأبقى هكذا أنا قوية، كما يبدو، صلبة كما يظنون، عصية على الانهزام والاستسلام.
هكذا أنا، لا أملك من حطام تلك الدنيا سوى كرامتي أعتز بها، ولا أفاوض عليها، أحبك ولكن ليس أكثر من كرامتي، ألقي عليك بأوجاعي، و أحلامي، وآلامي، وانكساراتي انهزاماتي، اطوقك بأفراحي و انتصاراتي، لكني لا أبيعك كرامتي، أهرول تجاهك، وأظهر مشاعري ، أقبل لومك و جحودك ، ولكن لا أقبل أن تهان كرامتي تحت أعتاب الحب هكذا أنا.
هكذا أنا كائن ضعيف هش ، لا يقوى على الصياح في وجه جبروت الحياة وقسوتها، تقيده أغلالها و أنيابها ، فيستسلم ، تسرق منه الفرح والسعادة ، تحرمه الهدوء والأمل ، تسطو على أفكاره وتورثه القلق ، لكني أبقى أنا طفل يلهو في جنبات الحياة ، يعاملها ببراءته ورقته وطموحه ، ويغفر لها أو ينسى أفعالها ، يتشاجر مع الحياة ويكيل لها الاتهامات ، و الانهزامات ، تنهال عليه بالفواجع ، فيدير ظهره حزينا منتظرا منها إقبال تراضيه ، وتربط على كتفه وتحنوا عليه ، يكفيه منها ابتسامة رضا ، أو تصفيق تشجيع ، أو حتى صمت بلا لوم ولا تقريع ، هكذا أنا طفل بلا عقل ، يتعلق بالحياة ، يخشى أن يترك أحبابه ويتوه ، يخشى أن يفقد منزله ، يخشى من شخص كبير الحجم ، يخشى الضوضاء والظلام والباب المغلق ، حتى أستمر أنا هكذا ببراءتي .
