مقالات
الوعي يا سادة
الوعي يا سادة
بقلم يحي خليفه
الوعى يا سادة هو حالة عقليّة يتم من خلالها إدراك الواقع والحقائق التي تجرى من حولنا، وذلك عن طريق اتّصال الإنسان مع المحيط الذي يعيش فيه واحتكاكه به فتتاح له فرص الاختيار، والقدرة على الاختيار هي موضوع الساعة وموضوع المستقبل، إننا نستطيع أن نجعل من كل فرصة أمامنا مشكلة وأزمة، وأن نرى ونكتشف في كل أزمة تواجهنا فرصًا جديدة يمكن استثمارها والتنمية من خلالها، وسيعتمد ذلك على طريقة وعينا بكل جوانب الأمور ومعالجتنا للواقع، الذي يطرح فرصًا متعددة للانتقال إلى عهد جديد، والاختيار الأصوب والأفضل، والذى يراعى القيم الأصيلة الواجب إدماجها في وجدان الفرد والأسرة والمجتمع كله، تنبع من مدخل المعرفة واستخدام العقل والمنهج العلمى في التفكير.
إن الوعى ينضج تدريجيا بإدراك كل ما حول الإنسان من موجودات من خلال منافذ الوعى التي تتمثل في حواسه التي تنقل إلى ذهنه ذلك فيُترجمها ويُركبها ويُدرك، وهو ما يبنيه التعليم الجاد والفن الراقى والإعلام، وأبرز العوامل التي تشكّل الوعى لدى عامة الناس الإعلام، فإذا كان الإعلام موجّها، في غالب الأوقات والأحيان، لخدمة مصلحة معيّنة، فسيتشكل لدى المواطنين وعى زائف، أما الإعلام النزيه العادل فيعرض القضايا والأحداث بموضوعيّة مطلقة كما هي، لهذا السبب فينبغى عدم الاكتفاء بوسيلة إعلاميّة واحدة، بل يتوجّب مشاهدة الخبر أو سماعه من العديد من وسائل الإعلام حتّى تتضّح الصورة كاملة، فما أُخفى هنا سيتّضح هناك، وهكذا.
ومن العوامل الأخرى التي تؤثّر في وعى الإنسان بشكل عام: التعليم والمؤسسات الدينيّة، حيث إنّ هذه المؤسّسات تتجمّع مع بعضها البعض لتشكّل الوعى الجمعى الذي قد يكون زائفا، وقد يكون حقيقيا، فالمؤسّسات التعليميّة والمؤسّسات الدينيّة لديها القدرة على إخفاء الحقائق وإظهار حقائق أخرى لقلب الموازين وإرساء المعتقدات في وجدان الناس، فلا يدرون أنهم مساقون وتحت تأثير من جهات لها أجندات محددة، ولن نغفل في هذا المقام دور المؤسّسات العامّة والرسميّة والفن والمثقّفين والأدباء والكتّاب والعلماء، فكلّ هؤلاء يسهمون أيضا في تشكيل الوعى العام.
إن الإنسان هو الموجود الوحيد الذي يعى باعتباره موجودا لذاته. أما المخلوقات الأخرى فإنها لا توجد إلا بكيفية واحدة ولا يوجد لديها تراكم معرفة ولا نقل خبرات يجعل وعيها شاملا موجودات أخرى وأزمنة مختلفة وخبرات متراكمة، فالإنسان يعمل دائما على تغيير الأشياء خارجه لأنه يريد أن يرى ذاته مؤثره في صنع ما حوله، وهو الكتاب الجامع لكل موجودات الخلق، ففيه الجسد والروح، المادة والطاقة، الحياة والموت، الديمومة والزمان.. كله في وقت واحد، وأيضا يجمع كل التناقضات سويا، هو المعجزة الكونية الكبرى، وإن نظريات الفيزياء الكمية وما تعنيه، رغم أنها لاتزال قاصرة عن تفسير الوعى والروح والنفس، لكنها تعنى أن العلم قادم قادم ليفتح آفاقا جديدة للمعرفة، ولا يجعل الإنسان أكثر غرورا بنفسه، لكن يدفعه ليكون أكثر تواضعا عندما يعي حقيقة وجوده.
