سياحه وآثارمقالات
رحلة إلى أول شهر عقاري في التاريخ “لوحة المجاعة” بجزيرة سهيل
كتب / جمال أحمد حسن
يسعدنى أن أصحبكم في رحلة إلى جزيرة “سهيل”، حيث تقع جزيرة “سهيل” غرب مدينة أسوان، بالقرب من منطقة الشلال الأول، على بعد حوالي 4 كم شمال خزان أسوان، وحوالي 2 كم جنوب جزيرة “إلفنتين”.
و “سهيل” جزيرة صخرية جرانيتية، سجلت على صخورها مئات النقوش بالكتابة الهيروغليفية حتى أصبح يطلق عليها “الجبل المنقوش”.
يبلغ طول جزيرة سهيل حوالي 2 كم من الشمال إلى الجنوب، و عرضها 1 كم، و يقدر عدد سكانها بحوالي 10 آلاف نسمة.
و ترجع أهمية جزيرة “سهيل” إلى موقعها الجغرافي بالقرب من القناة التي شقها الملك “سنوسرت الثالث” أحد ملوك الدولة الوسطى في صخور الجندل الأول – الشلال الأول – أثناء فترة حكمه في حوالي 1894 قبل الميلاد، وكان لهذه القناة أهميتها لتسهيل الملاحة النهرية للمراكب التجارية، إلى جانب أنها كانت طريقاً لسفنه الحربية.
كما أنه يوجد على هذه الجزيرة كمية ضخمة من أحجار الجرانيت، التي تحتوى على أكثر من 297 من النقوش والمناظر الصخرية القديمة، التي نحتت على سطح صخورها، والتي تمثل نقوش تخليد الذكرى لأسماء وألقاب حكام جزيرة “إلفنتين” – عاصمة أسوان في مصرالقديمة- وكبار الكهنة وأشهر الرحالة، وصور أصحاب هذه النقوش وهم يقدمون القرابين والدعوات لمعبودات منطقة الشلال الأول خاصة المعبودة “عنقت” ربة جزيرة سهيل، التي كانت تصور بهيئة امرأة مع غطاء للرأس من الريش، و اعتبر المصريون القدماء الجزيرة بيت المعبودة “عنقت”، فكانت الربة المحليّة لجزيرة سهيل، و العضو الثالث في ثالوث إلفنتين، و قد اختلفت الآراء حول مكانة المعبودة “عنقت” في الثالوث، حيث رأى البعض أنها تمثل دور الإبنة، و رأى آخرون أنها تمثل زوجة ثانية للمعبود خنوم، و عرفت “عنقت” كربة للفيضان و ماء النيل، و بلغ من تقديسها أن معظم الملوك و الحكام كانوا يقدمون القرابين و الأضاحي لها على هذه الجزيرة، و حرصوا على النقش على أحجارها الجرانيتية، وكان كل مسؤول يمر بهذه الجزيرة ينقش على صخورها اسمه و ألقابه وأهم أعماله والسيرة الذاتية له، لذلك اعتبرت جزيرة سهيل أول شهر عقاري أو أقدم دار وثائق في التاريخ.
عبدت “عنقت” على هذه الجزيرة إلى جانب المعبود “خنوم” ، رب منطقة الشلال، و ممالمتحكم في مياه الفيضان، و المعبودة “ساتت”.
ولعل أهم آثار جزيرة “سهيل”، و أكثرها شهرة هي لوحة المجاعة.
( لوحة المجاعة ) : ( Famine stele)
هل تذكرون الحلم الذي رآه ملك مصر و رواه لسيدنا “يوسف”
عليه السلام، والذي جاء ذكره في القرآن الكريم، و فسره سيدنا يوسف بأن مصر ستمر بمجاعة تمتد لسبع سنوات متتالية، لقد تحققت نبوءة سيدنا “يوسف” بعد أن عثر علماء الآثار على ضفاف النيل، وسط جزيرة “سهيل” التي تقع جنوب أسوان، آخر محافظات مصر الجنوبية على لوحة، تعد من أشهر اللوحات الأثرية في علم الآثار المصرية، والتي تعرف إصطلاحاً باسم “لوحة المجاعة”، وهي صخرة كبيرة منحوتة وموجودة حاليا على جزيرة سهيل جنوب مدينة أسوان.
و كشف عنها “ويلبور”، و ترجع إلى عصر البطالمة الذين حكموا مصر من حوالي 332 إلى 31 قبل الميلاد، و يوجد في الجزء العلوي من اللوحة منظر يمثل الملك “زوسر “يقدم القرابين لثلاثة من أهم المعبودات المصرية القديمة، وهم ” خنوم ” و “ساتت” و ” عنقت ” ، المسؤولين عن منطقة الجندل الأول أو الشلال الأول والمتحكمين في مياه فيضان النيل.
و لقد سميت لوحة المجاعة بهذا الإسم لأنها تحمل نقشا يحكي قصة مجاعة حدثت في عهد الملك زوسر – أول ملوك الأسرة الثالثة – من عصر الدولة القديمة حوالي 2649 قبل الميلاد.
حدثت هذه المجاعة نتيجة انخفاض مياه النيل، وانحسار الفيضان لمدة 7 سنوات متتالية، و كان ذلك في العام ال 18 من حكم الملك “زوسر”، فقلت الحبوب، و تضاءلت المحاصيل، وساءت أحوال البلاد، و استشعر الشيوخ و الأطفال بالجوع، حتى أن الملك نفسه لحقه الضيق والهم بسبب هذه المجاعة، فأرسل يطلب من وزيره وكبير كهنته “امنحوتب” أن يتقصى الأمر، لعله يجد حلا لهذه المشكلة، وطلب منه أن يتعرف على منابع النيل، و المعبود المسيطر على مياهه، فعكف “إيمنحوتب” على سجلاته ومخطوطاته، وعاد للملك يخبره أن هناك مدينة تسيطر على منابع النيل هي مدينة “آبو” على جزيرة إلفنتين عند الشلال الأول – و هي مدينة أسوان حاليا – وأشار عليه أن يقدم القرابين إلى المعبود “خنوم”هناك، المعبود الرئيسى لجزيرة “إلفنتين ” ، عاصمة أسوان، ومعبود منطقة الشلال الأول، والمسيطر على منابع النيل، ويطلب منه العون. ورأى الملك في منامه المعبود “خنوم”، الذي أخبره بأنه غاضب، لذلك فإنه لا يسمح للمياه بالتدفق، فأمر زوسر بحمل القرابين إلى الجنوب في محاولة لاسترضاء المعبود “خنوم”، وفي الليلة التالية رأى الملك حلماً بأن “خنوم” يعده بإنهاء المجاعة، فلما استيقظ زوسر من حلمه أوقف خيرات مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الممتدة من جنوب أسوان حتى ” تاكومبسو “بالقرب من منطقة “الدكة ” لصالح معبد خنوم، و أمر بتقديم القرابين له.
انقسم الباحثون في شأن لوحة المجاعة إلى 3 اقسام :
(1) منذ الترجمة الأولية و الفحص من قبل عالم الآثار الفرنسي “بول بارجيه”عام 1953، رأى أصحاب الرأى الأول أنها ترجع للعصر البطلمى، و أن لها علاقة بقصة مجاعة السبع سنوات التي حدثت في عهد النبى يوسف عليه السلام.
(2) بينما رأى أصحاب الرأى الآخر أن القصة أصلا قديمة وأن الأسلوب الذى كتبت به اللوحة في عصر البطالمة لا يخلو من تعبيرات الدولة القديمة ذاتها، و لذلك رأوا أنها نسخة أعيدت كتابتها من نص أصلي قديم كان من عهد الملك “زوسر” ، وأنه كان مكتوبا على الحجر أو مادة أخرى، و أنه تعرض للتلف بمرور الزمن.
( 3) الرأي الثالث اعتقد أصحابه، و منهم العالم الفرنسي الشهير “ماسبيرو “، أن القصة اخترعها كهنة “خنوم” في منطقة “إلفنتين”، وأن هذه القصة سجلت في العصر البطلمي لخوف كهنة المعبود “خنوم” من ازدياد نفوذ كهنة المعبودة “إيزيس”، فأرادوا بهذه القصة
أن يستدرّوا عطف ملوك البطالمة عليهم، وأن يثبتوا حرص الملوك منذ أقدم الأزمنة، حتى من عهد “زوسر” في عصر الدولة القديمة على إرضاء معبودهم “خنوم”.
و أخيراً، و بالرغم من أن الجزيرة بها أكثر من 297 لوحة أثرية، مما يجعلها بمثابة متحف أثرى مفتوح، وقد حباها الله بكل مقومات الجمال الطبيعي من مناظر طبيعية جميلة، وخضرة وأشجار مع النيل والرمال، و تتمتع بموقع متميز إلا أنها مهملة، و لم يتم وضعها بعد على الخريطة السياحية بمدينة أسوان د.