رفح تواجه الجوع والأمراض وتهديدات بالتهجير القسري
متابعة / محمد نجم الدين وهبى
قالت مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية، اليوم الأحد، إنها تتابع بقلق بالغ ما آلت إليه أوضاع النازحين المأساوية في رفح، في ظل ما يرد من تقارير حول خطط قوات الاحتلال توسيع هجومها العسكري واجتياح المدينة التي تستضيف أكثر من نصف سكان قطاع غزة، وقد بدأت بالفعل بعمليات قصف مكثفة طالت أماكن متفرقة من المدينة المكتظة.
ورأت مؤسسات حقوق الإنسان أن استمرار إبادة المدنيين الفلسطينيين وإجبار نحو 1.5 مليون فلسطيني على النزوح مجددا له تداعيات كارثية تدلل على الإمعان الإسرائيلي في المضي قدما في جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، وهو ما يخالف التدابير الاحترازية الصادرة عن محكمة العدل الدولية بتاريخ 26 يناير/ كانون الثاني ضد إسرائيل.
وجددت المحكمة يوم الجمعة، 16 فبراير/ شباط، تأكيدها أن التطورات في قطاع غزة، وخصوصا في رفح من شأنها أن تزيد بشكل كبير ما يعتبر بالفعل كابوسا إنسانيا له عواقب إقليمية، ويتطلب هذا الوضع الخطير تنفيذا فوريا للتدابير المشار إليها.
وشددت المحكمة على أن إسرائيل تظل ملزمة بالامتثال لاتفاقية الإبادة الجماعية بما فيها ضمان أمن الفلسطينيين بغزة.
حصار إسرائيلي خانق
وتفرض قوات الاحتلال الإسرائيلي حصارا خانقا على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وما زالت ماضية في هجومها العسكري الذي تسبب في تدمير البنى التحتية، وخلق أزمة إنسانية غير مسبوقة، مع شح إمدادات الغذاء والماء والدواء، ونزوح غالبية سكان القطاع، فقد صدرت خلال هذه الفترة أوامر بتهجير السكان من مساحة قدرها 246 كيلو مترا مربعا، ما يعادل 67% من مساحة قطاع غزة البالغة 360 كيلو مترا مربعا.
نزوح إلى رفح
وقد دفعت أوامر التهجير الإسرائيلية التي يتم إصدراها بشكل متكرر، سكان القطاع إلى النزوح أكثر من مرة، حتى وصل نحو مليون ونصف منهم إلى مدينة رفح أقصى جنوب القطاع، بحيث تضاعف عدد سكان هذه المدينة إلى 5 أضعاف ما كانت عليه قبل أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وقالت المؤسسات إنه وفي ظل تجاهل إسرائيل لجميع الدعوات التي تحذر من العواقب الخطيرة للعملية البرية في رفح، كذلك الاستجابة الإنسانية الضعيفة التي لا تتناسب مع واقع سكان قطاع غزة المتكدسين في مدينة رفح، فإننا مقدمون على مذبحة جديدة تطال ما تبقى من سكان القطاع في تجلِ واضح لجريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، وذلك بالنظر إلى الاستخدام المفرط للقوة بشتى أنواع الأسلحة من قوات الاحتلال، ما يعني احتمالية مضاعفة أعداد ضحايا العدوان الحربي بشكل يفوق التوقعات.
أوضاع كارثية
وأشارت المؤسسات إلى أنها حذرت من الأوضاع الكارثية للسكان النازحين في جميع مناطق قطاع غزة، حيث يعانون الجوع وانعدام الأمن الغذائي، في وقت نفذت فيه معظم السلع الغذائية الأساسية من الأسواق كاللحوم والدواجن والبيض والخضار بمختلف أنواعها والسكر وغاز الطهي والوقود، بينما ارتفعت أسعار السلع المتوفرة إلى ما يزيد عن 500% من سعرها الطبيعي، وهو ما يثقل كاهل النازحين في الحصول على أدنى احتياجاتهم الأساسية.
وأضافت: «لا تتيسر للنازحين أي إمكانية للحصول على الرعاية الطبية الملائمة، حيث تعاني المستشفيات في رفح من تكدس للمرضى والجرحى، نتج عنه نسبة إشغال عالية للأسرة في جميع الأقسام الطبية وصلت حسب وزارة الصحة إلى 279%، وهو ما يفوق قدراتها، ويخلق حاجة كبيرة لتحويل آلاف المرضى والجرحى للعلاج خارج القطاع».
نقص المستلزمات الطبية
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، تعاني مستشفيات رفح نقصا شديدا في الأدوية والمستلزمات الطبية، وخصوصا أدوية التخدير وخيوط العمليات الجراحية.
كما تعاني المختبرات نقصا حادا في وحدات الدم ومشتقاته وأكياس الدم وفحوصات الفصيلة الدموية وفحص التوافق، بالإضافة إلى عدم توفر الفحوصات الفيروسية للمرضى، ونقص الفحوصات الكيمائية الخاصة بمرضى الكلى والكبد والحوامل، ونقص المضادات الحيوية اللازمة للمزارع البكتيرية.
ويتزامن ذلك مع مداهمة قوات الاحتلال مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس، والذي يعتبر المستشفى الأهم في مناطق جنوب قطاع غزة، وهو ما يحرم آلاف الجرحى والمرضى من أي أمل في تلقيهم العلاج.
وتابعت مؤسسات حقوق الإنسان: «يتوقع أن يؤدي أي تقدم بري محتمل لقوات الاحتلال باتجاه مناطق مدينة رفح إلى انهيار منظومة المساعدات الإنسانية الهشة، والتي تمر عبر المعابر الحدودية الموجودة في الجنوب الشرقي لمدينة رفح، وهما معبر رفح ومعبر كرم أبو سالم».
واستطردت: «بدأت معالم المشهد القاتم بالظهور بعد إعلان هيئة المعابر الفلسطينية عن تراجع كبير في عدد شاحنات المساعدات التي تدخل إلى قطاع غزة حيث تم دخول نحو 40 شاحنة فقط خلال الأسبوع الأخير، وذلك مع استمرار إغلاق معبر كرم أبو سالم من المستوطنين، وهو ما يُخالف التدابير الطارئة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، ما يفاقم الأوضاع المعيشية الصعبة لسكان قطاع غزة مع استمرار العدوان الحربي للشهر الخامس على التوالي».
ووثقت مؤسسات حقوق الإنسان تزايد حالات الوفاة الناتجة عن الجوع أو سوء التغذية أو الأمراض المرتبطة بهما في قطاع غزة، كان آخرها وفاة 4 أطفال في شمال قطاع غزة، فمع تدهور الحالة الاقتصادية لا يستطيع النازحون تأمين الغذاء الصحي والمتنوع، يضاف إلى ذلك عدم حصولهم إلا على ما بين 1.5 إلى 2 لتر للشخص من المياه غير الآمنة يوميا، لتلبية جميع احتياجاتهم.
يأتي ذلك مع التصعيد الإسرائيلي ضد وكالة الأونروا، بالإضافة إلى القرارات التي اتخذتها دول عدة بوقف تمويلها، والعمل على تقويض عملها، ما يعني وقف تزويد أهالي قطاع غزة بالمواد الغذائية، والتي يدخل منها حوالي 5٪% من احتياجات القطاع حاليا.
وفي أعقاب تصاعد القصف الإسرائيلي على منازل سكنية في رفح، بالتوازي مع التهديد بالهجوم العسكري عليها، رصدت مؤسسات حقوق الإنسان حالات نزوح جديدة للسكان من المدينة باتجاه مناطق لا تقل خطورةً في وسط قطاع غزة، حيث اضطر هؤلاء إلى النزوح المتكرر هربا من عمليات القصف الإسرائيلي المستمر.
وفي ضوء ذلك، رأت المؤسسات الحقوقية أن الاحتلال الإسرائيلي يضرب بعرض الحائط القوانين الدولية، لذا فإن أمام المجتمع الدولي فرصة أخيرة لإعادة الاعتبار لسلطة الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة، وقرارات أهم محكمة في العالم.
ودعت المؤسسات إلى إجبار إسرائيل على وقف جريمة الإبادة الجماعية ومن ضمنها التهجير القسري للفلسطينيين وفرض وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإلزامها بتطبيق قرارات محكمة العدل الدولية بمنع ارتكاب إبادة جماعية، ودفعها إلى اتخاذ تدابير عملية تحفظ أرواح المدنيين في قطاع غزة، ووقف جميع مخططاتها بالهجوم البري على مدينة رفح.
كما دعت المؤسسات إلى المزيد من الضغط على إسرائيل لتسهيل وصول المساعدات الغذائية والطبية إلى جميع مناطق قطاع غزة دون أي استثناء لوقف جريمة العقاب الجماعي المتمثلة بتجويع السكان وحرمانهم من حقهم في العلاج.