فومو: عندما يتحول الخوف من التفويت إلى إدمان رقمي
بقلم / كريمه الرفاعي
في عالم متصل بشكل مستمر عبر الإنترنت، باتت الحياة الرقمية تؤثر بشكل عميق على تصرفاتنا وعواطفنا ،و من بين الظواهر السلوكية التي انتشرت في السنوات الأخيرة، تبرز ظاهرة “فومو” (FOMO) أو “الخوف من تفويت شيء ما” كأحد أبرز مظاهر المجتمع الرقمي. أصبحت هذه الظاهرة سمة مميزة لكثير من الأشخاص في عصر منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتزايد الشعور بالقلق لدى المستخدمين نتيجة خوفهم المستمر من تفويت أحداث أو تجارب مهمة، و لكن ما هو الفومو؟ وكيف يؤثر على صحتنا النفسية والاجتماعية؟
ما هو فومو؟
“فومو” هو اختصار لعبارة “Fear of Missing Out”، وهي تشير إلى الشعور بالقلق أو التوتر الذي ينتاب الشخص عند التفكير في أنه قد يفوته حدث اجتماعي أو فرصة أو تجربة قد تكون مثيرة أو مهمة،و تنشأ هذه الظاهرة في معظم الأحيان نتيجة للمقارنات المستمرة مع الآخرين الذين يشاركون تفاصيل حياتهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، إنستغرام، تويتر، وغيرها ومع رؤية الآخرين يشاركون لحظات سعيدة أو سفرات أو أنشطة مميزة، يواجه الفرد شعورًا متزايدًا بالقلق من أنه لا يشارك في هذه التجارب، مما يؤدي إلى انخفاض في مستوى الرضا الشخصي.
كيف تؤثر الفومو على حياتنا اليومية؟
1. التأثير على الصحة النفسية
واحدة من أكثر الآثار السلبية المرتبطة بالفومو هي تأثيراته على الصحة النفسية، ويمكن أن يؤدي الشعور المستمر بفقدان الفرص إلى زيادة مستويات القلق والاكتئاب، ووفقًا لدراسة أجرتها جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة، فإن الأشخاص الذين يعانون من الفومو يتعرضون لمعدلات أعلى من القلق والاكتئاب بسبب المقارنات المستمرة مع الآخرين.
2. إدمان التكنولوجيا
الفومو قد يؤدي أيضًا إلى زيادة استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يعزز من دورة الإدمان الرقمي. يفتح ذلك الباب لمزيد من التفاعل عبر منصات التواصل في محاولة لمواكبة ما يحدث في حياة الآخرين،و المستخدمون يشعرون بالحاجة الماسة للبقاء على اتصال دائم لمتابعة أحدث الأخبار والفعاليات، مما يعوق قدرتهم على التفاعل بشكل صحي في الحياة الواقعية.
3. تأثير على العلاقات الاجتماعية
الفومو يمكن أن يؤثر على العلاقات الشخصية. عندما ينشغل الأفراد بمراقبة حياة الآخرين عبر الإنترنت، قد يتجاهلون بناء علاقات حقيقية أو التواصل مع الأصدقاء والعائلة ، وهذا الأمر قد يؤدي إلى الشعور بالعزلة الاجتماعية على الرغم من الاتصال الرقمي المستمر.
4. زيادة التوتر في العمل والدراسة
في بيئات العمل والدراسة، قد يساهم الفومو في تقليل الإنتاجية والتركيز،و الشخص الذي يشعر بأنه يفوت فرصًا مهنية أو اجتماعية قد يصبح مشتت الذهن طوال الوقت، ما يؤثر في أدائه ويجعله غير قادر على استغلال الفرص الحقيقية أمامه.
كيف يمكن التعامل مع الفومو؟
1. التقليل من التفاعل الرقمي
يمكن أن تكون أول خطوة للتعامل مع الفومو هي تقليل الوقت الذي تقضيه على منصات التواصل الاجتماعي و تحديد فترات زمنية مخصصة للاستخدام يساعد على تقليل المقارنات المستمرة مع الآخرين.
2. التركيز على اللحظة الحالية
التفاعل مع الأشخاص في الحياة الواقعية والتركيز على الأنشطة التي تمنحك الراحة والرضا يمكن أن يساعد على تقليل مشاعر القلق الناتجة عن الفومو ، وممارسة التأمل والأنشطة التي تزيد من الوعي الذاتي يمكن أن تساهم في تحسين الصحة النفسية.
3. التوازن بين العالم الرقمي والواقعي
من المهم أن نتذكر أن ما نراه على منصات التواصل الاجتماعي ليس الصورة الكاملة للحياة. معظم الأشخاص يعرضون فقط الجوانب الإيجابية من حياتهم، مما يجعل المقارنة غير عادلة، و تعلم قبول عدم التفاعل مع كل شيء وموازنة الوقت بين الأنشطة الرقمية والحياة الواقعية يساعد على تقليل شعور الفومو.
4. البحث عن الدعم الاجتماعي
الحديث عن هذه الظاهرة مع الأصدقاء أو العائلة يمكن أن يساعد على فهم تأثيراتها بشكل أفضل، و من المهم أن يكون لدينا دائرة دعم حقيقية تشجعنا على القبول بأننا لا يجب أن نكون جزءًا من كل شيء.
في الاخير فإن عالمنا الرقمي، أصبح الفومو جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. ومع زيادة التفاعل الرقمي وانتشار منصات التواصل الاجتماعي، قد يصبح من الصعب التخلص من مشاعر القلق الناتجة عن خوفنا من تفويت شيء مهم، و لكن مع زيادة الوعي حول هذه الظاهرة وتبني استراتيجيات للتعامل معها، يمكننا تقليل تأثيراتها السلبية على صحتنا النفسية والاجتماعية ، والفومو ليس نهاية العالم، بل هو دعوة لنا للتوقف قليلاً وتقدير اللحظة الراهنة بدلًا من الانشغال بما قد فاتنا.