الجنُّ الخفي ومعركة اللاوعي

الشيخ رضا الخولى .. المنوفيه

لاشك أننا نؤمن بوجود كائن حي خفي لاتراه أعين البشر، ولا نعرف عنه شيئا سوى أنه مخلوق من نار في أصله، كما نؤمن أنه مكلف بالعبادة، ونؤمن أنه يستمع ويعي مايسمعه، ونؤمن أنه يحاسَب ثوابا وعقابا في الآخرة شأنه شأن البشر كما أخبر بذلك القرآن.

غير أنّ قدر الله الكوني أبى أن نراه بأعيننا، كما أنه ليس له سلطان على المؤمنين، ولا سبيل له على الأشياء، وليس له قدرة على سرقة الأموال، أو التحكم في البشر، أو تسيير شئونهم، أو إشعال الحرائق في بيوتهم أو إسقاط الحوامل، وليس له قدرة على السيطرة التامة على عقولهم أو توجيههم توجيها ماديا.

كما أننا نؤمن أنّ الجنّ لايتزوجون من البشرِ، ولا يتزوج منهم البشرُ، ومن قال خلافَ ذلك فهو مخرف في هذا الموطن، وقوله سفه وجهالة لادليل عليه ولا شاهد ولو كان رأس العلم في غير هذه المسألة.

وكل ماورد في هذا من نصوص مُشْكِلٌ، إما في صحة نسبته، أو في خطأ فهمه، ومن ظن أنَّ هناك تعارضا فليراجع تفاسير وشروحات تلك النصوص في مظانّها، ومثالها: (عفريت سيدنا سليمان، والمرأة المصروعة، وبرد لسان الشيطان، ووكزة الرضيع وصرخته، وشيطان الصدقة وآية الكرسي، و كما يتخبطهم الشيطان من المس، وأجر الراقين من اللدغة بالفاتحة. وجريانه كما يجري الدم في العروق…إلى غير ذلك من الأدلة المُشْكِلة).

كما يتوجب علينا أن نفرق بين مؤمنهم وكافرهم، فكافرهم شيطانٌ مسلّط على البشر يؤذيهم ويغويهم ويضلهم بوسوسته فقط، لايلامسهم ملامسة مادية ولا يسرق أموالهم ولا يُسقط أجنتهم، ولا يتحكم في جوارحهم، ولا يتكلم علي ألسنتهم، ومن وجد لخلاف ذلك أثرا في الواقع فليراجع الأطباء المتخصصين فلهم تفاسير طبية وعلاجات لحالاتهم الجسدية والنفسية… وأنا شخصيا حين يأتيني أحدهم يشكو هذه الأعراض أحيله لطبيب نفسي وأعطيه عنوانه ورقم هاتفه، ويكون الشفاء على يد الطبيب لا على يد المدّعين من المعالحين كذبا وزورا بالقرآن أو المشعوذين، ولا يَـعذُر المعالجين حسنُ نيتهم، فطريقهم مليئ بالشبهات والشهوات.

كما أن الفلكولور الشعبي لعب دوراً كبيراً في هذه الخرافات والأساطير، حتى باتت إحداهن تعيش ليل نهار في تلك الخرافات والأساطير متوهمة وجودها، فواحدة تقول: زوجي يشبه القرد أو يظهر لي بقرون، والثانية تقول أشعر بحركة في جسدي، والثالثة تقول أشعر باحتضان شئ لي، والرابعة تقول اشعر بحركة في المطبخ☠️، والأخيرة تقول أشعر بأحدهم يزغزغني 💀… ونحن لاننكر وجود هذه الأشياء عندهن، لكن لهذه الأشياء وتلك الحالات تفاسير علمية من هلاوس سمعية وبصرية وإدراكية وحركات جسدية طبيعية في العضلات والأوردة وحركة الأمعاء والأصوات التي تصدرها أحيانا، وعضلة العين الراجفة إلى غير ذلك.

_ كما أحذر الجميع خاصة النساء والفتيات من المعالجين والدجاجلة والمشعوذين والكهنة وأيضا للأسف بعض رجال الدين المشتغلين بفعل هذه الأشياء، كما نحذر الجميع من المعالجين الروحانيين ومن على شاكلتهم، ومن وجد تعبا نفسيا فليعالج نفسه بنفسه بحسن الظن في الله وقراءة القرآن والدعاء، أو يرقيه بعض أهله، أو يذهب إلى الأطباء المتخصصين في الامراض النفسية أو الامراض العقلية.

وأخيرا يقول الله تعالى: إن كيد الشيطان كان ضعيفا.