دكتور طارق الأدور يكتب:لماذا كرة الفقراء ؟؟
كلام رياضي جدا
لا زلت أتحدث عن غياب المواهب في كرة القدم المصرية، وعدم وجود الموهوبين صغار السن في كل الأندية مثلما كان يحدث في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي عندما كانت كرة القدم المصرية تفرز المواهب بإستمرار والتي أمدت المنتخب بعناصر كثيرة من المهرة.
حتى الأندية الكبرى التي كان من أدوارها الأساسية البحث والتنقيب عن المواهب في الأقاليم عن طريق ما كانوا يسمون بالكشافين، لم تعد تقوم بهذا الدور وأصبحت تفضل شراء اللاعب الجاهز ولم نعد نرى أي ناد من الكبار يدفع بلاعبيه من قطاع الناشئين ويشترى لاعبين سواء أكانوا من داخل أو خارج مصر ليكتشف بعد ذلك أنهم أسوأ من اللاعبين الذين نشأوا بين جدرانه.
وبعيدا عن عدم ظهور ناشئين، فقدت الأندية الكبرى نقطة هامة جدا وهي تربية الناشيء بين جدران النادي وبالتالي إنتمائه للفانلة التي يرتديها وإكتساب الروح القتالية بسبب هذا الإنتماء.
في أحدى زياراتي لناد كبير طالما أفرز وأنجب مئات الموهوبين في كل اللعبات، قال لي والد لاعب موهوب جدا في لعبة غير كرة القدم، أن إبنه أشاد به كل مدربيه ولكنه إستبعد من الفريق، لماذا؟؟ لأنه ليس عضوا عاملا في النادي، وعندما سألت إكتشفت أن النادي ألغى العضويات الرياضية ووضع شرطا في إنضمام أي لاعب للفرق الرياضية أن يكون لديه عضوية عاملة في النادي وبالتالي لم يعد هناك مكان في هذا النادي أو ذاك للمواهب الحقيقية القادمة من الأقاليم أو الفقراء الذين لا يحظون بوجود عضويات عاملة في أي ناد.
المهم أن المسئولين لدينا فهموا السياسة الجديدة لصناعة الرياضة في العالم بشكل خاطيء، لأن المقصود من صناعة الرياضة هو أن تقوم الرياضة بجلب الأموال من مصادر متعددة كي تستطيع الصرف منها على الرياضة نفسها ومشاريعها وأهمها التنقيب عن المواهب في المناطق النائية والبرامج اللازمة لتطوير مواهبهم. ولكن للأسف صناعة الرياضة تحولت عندنا إلى وسيلة لتكسب الأشخاص من الرياضة دون وجه حق ودخل الرياضة رجال الأعمال بالكوم من أجل التكسب من الرياضة وليس لتنفيذ مشاريعها، فتحول المال القادم من الرياضة إلى جيوب أشخاص ربما لا يفقهون شيئا عن الرياضة بدلا من إنفاق هذه الأموال كما تنص كل القواعد الأوليمبية على مشاريع الرياضة.
المهم في كل ما سردت أننا إبتعدنا منذ سنوات عن المكان الحقيقي للمواهب ومنجم الذهب لنجوم المستقبل وأصبحنا نبحث في شريحة لا تنجب المواهب إلا بنسبة تقل عن واحد إلى 300 من نسبة ظهور المواهب في الفئات الفقيرة في القرى والنجوع النائية البعيدة عن العيون.
الحلول التي أذكرها الآن هي في وجود برامج تتبناها الدولة وتعمل في صمت للتنقيب عن النجوم في تلك الأماكن دون إنفاق باهظ لإظهار هذا العمل بالشكل السليم وأن يتم بعناية إنتقاء المدربين الذين يقومون بهذا العمل الجليل لأن تربية النشء رياضيا والأهم خلقيا يتطلب شخصيات للمدربين من نوع خاص. ففي أوروبا يكون مدرب المراحل السنية أفضل تأهيلا من مدربي الكبار لأنهم يقومون بدور مزدوج مع الأعمار الصغيرة رياضيا وخلقيا.
سألني بعض الأصدقاء.. لماذا تتحدث دائما عن المواهب بين الأسر الفقيرة، قلت أنها حكمة الخالق سبحانه وتعالى في إكساب الفقراء بتلك المواهب أكثر من الأسر القادرة التي يكون الطفل فيها في وضعية إجتماعية أفضل مما يجعله لا يبذل الجهد والمثابرة مثلما يفعل الفقراء لتغيير مستوى معيشتهم، وتلك من حكمة الله سبحانه وتعالى، فلماذا إذن تحاولون أن تعارضوا حكمة الخالق في التوازن في النعم بين كل البشر!!
[email protected]